تتمتع العلامة التجارية في التشريع القطري بمركز قانوني متميز يجعلها من أهم الأصول المعنوية للمنشأة التجارية. وفي ضوء التطورات التشريعية والمؤسسية التي تشهدها الدولة، أصبحت حماية العلامات التجارية ركناً أساسياً في صون الهوية التجارية وتعزيز الثقة في بيئة الاستثمار والأعمال.
وإذ حرص المشرّع القطري على تنظيم هذا الحق بمقتضى القانون رقم (9) لسنة 2002 بشأن العلامات التجارية، فقد أسبغ على العلامة المسجلة حماية قانونية مُحكمة تكفل لصاحبها التميز والانفراد ومنع كل استعمال من شأنه إحداث لبس أو تضليل لدى الجمهور، بما يدعم شفافية السوق ويحفظ استقرار المعاملات ويصون حقوق المنتجين والمستهلكين على السواء.
ويأتي هذا التنظيم القانوني متسقًا مع النهج الوطني في تقوية مجال الأعمال، وتطوير أدوات الحماية القانونية، وتوسيع نطاق الضمانات المرتبطة بالملكية الفكرية، ولا سيما مع انضمام دولة قطر إلى الأنظمة الإقليمية والدولية ذات الصلة، بما رسّخ مكانة العلامة التجارية كعنصر أصيل من عناصر الذمة المالية المعنوية للمنشآت التجارية ووسيلة آمنة لتوسّعها وانتشارها محليًا ودولياً.
وقد استقر هذا القانون على أن تسجيل العلامة التجارية لا يُعد إجراءً شكلياً فحسب، بل يمثل منشئاً لمركز قانوني حصري يتمتع به مالك العلامة تجاه الغير، بحيث يكون له الحق في استعمالها والانفراد بها في حدود السلع أو الخدمات المسجلة عنها، الأمر الذي يجعل التسجيل وسيلة حماية ووسيلة إثبات في آن واحد، ويحول دون المنازعة في ملكية العلامة أو الاعتداء عليها أو محاكاتها بصورة تؤدي إلى تضليل الجمهور أو خلق لبس في مصادر المنتجات. ويأتي ذلك تدعيماً لمبدأ استقرار المعاملات ومنع المنافسة غير المشروعة وصون مصالح المستهلكين والمنتجين على السواء، وفي هذا الإطار نصّت المادة (20) من القانون رقم (9) لسنة 2002 صراحة على أن لمالك العلامة المسجلة الحق في منع الغير من استعمال علامته أو استعمال أي إشارة مشابهة لها يكون من شأنها تضليل الجمهور بالنسبة للمنتجات أو الخدمات التي سجلت عنها العلامة أو المنتجات أو الخدمات المماثلة.
يمدّ هذا النص نطاق الحماية المقرّرة للعلامة التجارية من خلال تمكين مالكها من حظر استعمال أي علامة مطابقة أو مشابهة من شأنها تضليل الجمهور أو إحداث لبس، سواء وقع ذلك بطريق المحاكاة أو التداخل أو التشابه الخادع أو أي صورة أخرى من صور الالتباس التي قد تؤثر في المستهلكين أو تشوّه قواعد المنافسة داخل السوق.
وقد عزز القضاء القطري هذا النهج، حيث قررت محكمة التمييز في حكمها الصادر في الطعن رقم 103 لسنة 2006 جلسة 19/12/2006، أن تقدير التشابه بين العلامات التجارية وتحقق اللبس لدى الجمهور هو من مسائل الواقع التي تدخل في سلطة قاضي الموضوع، بشرط أن يكون قضاؤه قائماً على أسباب سائغة تكشف عن الصورة العامة للعلامة في مجموعها، لا على عناصرها الجزئية أو أجزائها المنفصلة، وأن الحماية القانونية المقررة لا تمتد إلى الألفاظ العامة أو الوصفية أو الألوان التي لا يجوز احتكارها.
يعكس هذا النهج التركيز التشريعي الوارد في المادة (2) من القانون رقم (9) لسنة 2002، والتي تجعل معيار “احتمال إحداث اللبس لدى الجمهور” هو الأساس في تقدير التشابه بين العلامات، وذلك استنادًا إلى الانطباع العام للعلامتين في مجموعهما.
ومن منظور استراتيجي، يتعيّن على مقدّمي طلبات التسجيل بذل عناية خاصة لتميّز علاماتهم، ولأسباب الرفض المطلقة والنسبية — بما في ذلك التعارض مع حقوق سابقة والاعتبارات المتصلة بالنظام العام —فضلاً عن مخاطر شطب العلامة لعدم الاستعمال.
فوفقًا لقواعد العلامات التجارية القطرية وقانون نظام العلامات لدول مجلس التعاون، يُمنح التسجيل عادة لمدة عشر سنوات قابلة للتجديد، غير أن الحقوق قد تُفقد أو تضعف إذا لم تُستعمل العلامة بصورة فعلية، أو لم تُتابَع وتُحمَ بشكل فعّال عن طريق طلبات المعارضة، والدعاوى المدنية، والعقوبات الجنائية حسب الاقتضاء.
كما صادقت دولة قطر على القانون رقم (7) لسنة 2014 بإصدار قانون العلامات التجارية لدول مجلس التعاون، الذي وحّد القواعد الموضوعية بين دول المجلس دون أن ينشئ نظاماً موحّداً للتسجيل. فمكاتب العلامات الوطنية في كل دولة لا تزال الجهة المختصة بفحص الطلبات، وتقدير قابلية التسجيل، والتحقق من عدم وجود تشابه مُضلِّل مع العلامات السابقة، مع مراعاة الضوابط المتعلقة بالنظام العام.
وعليه، يتعيّن على طالبي التسجيل استيفاء الإجراءات الشكلية الوطنيّة في كل دولة يرغبون في الحصول على الحماية داخلها، إذ لا يُنشئ النظام الخليجي شهادة تسجيل واحدة عابرة للحدود على غرار نظام التسجيل الدولي بموجب بروتوكول مدريد. ومع ذلك، تسهم عملية التوحيد التشريعي في تعزيز اليقين القانوني، وتسهيلا لتوسّع الإقليمي للعلامات، والحدّ من التفاوت في معايير الفحص بين دول المجلس.
وقد انضمت قطر إلى نظام مدريد في 3 مايو 2024 فنظام مدريد هو حل مريح وفعال من حيث التكلفة لأصحاب العلامات التجارية الوطنية أو الإقليمية للحصول على حماية لعلاماتهم التجارية ومتابعتها والمحافظة عليها في عدة دول وذلك من خلال إيداع طلب واحد لتسجيل العلامة التجارية على الصعيد الدولي، وتتولى المنظمة العالمية للملكية الفكرية (ویپو) الكائنة في جنيف بسويسرا إدارة نظام مدريد،
كما تظلّ التسجيلات الدولية المعيّنة لدولة قطر خاضعة للفحص من قبل مكتب العلامات التجارية القطري، وذلك وفقًا لأحكام القانون رقم (9) لسنة 2002 ولائحة العلامات التجارية لدول مجلس التعاون.
وعليه، يُظهر التشريع القطري وتحديثاته الحديثة أن حماية العلامات التجارية أصبحت ركيزة أساسية في بناء بيئة تجارية مستقرة وجاذبة للاستثمار.
وتظل العلامة التجارية هي أحد أهم الأصول التي تمتلكها الشركات في عالم يتسم بالمنافسة الشديدة وتغير تفضيلات المستهلكين باستمرار فهي ليست مجرد رمز أو أسم، بل تمثل هوية متكاملة تعكس قيم المؤسسة ورسالتها وجودة ما تقدمه، إن الاستثمار في بناء علامة تجارية قوية وحمايتها قانونياً يعد خطوة إستراتيجية تضمن الثقة وتعزز الولاء وتمهد الطريق للنمو المستدام، وستظل العلامة التجارية حجر الأساس الذي تنطلق منه الشركات نحو التميز والنجاح.